فصل: (33/47) باب ما جاء في تحريم النهبا وقسمة طائفة من الغنم ونحوه أيام الحرب وترك الباقي في جملة الغنيمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار



.[33/47] باب ما جاء في تحريم النهبا وقسمة طائفة من الغنم ونحوه أيام الحرب وترك الباقي في جملة الغنيمة

5314 - عن رجل من الأنصار قال: «خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهدوا، وأصابوا غنمًا فانتهبواها وإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي على قوسه فأكفًا قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب، ثم قال: إن النهبة ليس بأحل من الميتة، أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة» رواه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري ورجال إسناده موثقون.
5315 - وعن معاذ قال: «غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر فأصبنا فيها غنمًا فقسم فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طائفة، وجعل بقيتها في المغنم» رواه أبو داود وفي إسناده مجهول.

.[33/48] باب النهي عن الانتفاع بما يغنمه الغانم قبل أن يقسم

5316 - عن رويفع بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر: «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبتاع مغنمًا حتى يقسم، ولا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه، ولا أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه» رواه أحمد وأبو داود في إسناده محمد بن إسحاق وأخرجه الدارمي والطحاوي، وصححه ابنه حبان، وحسن الحافظ في "الفتح" إسناده، وقال في "بلوغ المرام": رجاله ثقات لا بأس بهم.
5317 - وعن ابن مسعود قال: «انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل، فأصبت يده فندر سيفه، فأخذته فضربته حتى قتلته، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فنفلني سلبه» رواه أحمد وهو من رواية أبي عبيدة عن أبيه ولم يسمع منه، وقال في "مجمع الزوائد": رجاله رجال الصحيح غير محمد بن وهب بن أبي كريمة، وهو ثقة.. انتهى. وقد أخرج نحوه أبو داود.

.[33/49] باب ما يهدى للأمير والعامل أو يؤخذ من مباحات دار الحرب

5318 - عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هدايا العمال غلول» رواه أحمد والطبراني، وفي إسناده إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز وهو ضعيف فيهم.
5319 - وعنه قال: «استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا على الأزد ويقال له: ابن اللتبية فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد.. فإني أستعمل الرجل منكم على العمل من ما ولاني الله، فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا» أخرجاه.
5320 - وعن أبي الجويرة قال: «أصبت جرة حمراء فيها دنانير في إمارة معاوية في أرض الروم، قال: وعلينا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له: معن بن يزيد، فأتيناه بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني مثل ما أعطى رجلًا منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا نفل إلا بعد الخمس لأعطيتك ثم أخذ يعرض علي من نصيبه، فأبيت» رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده عاصم بن كليب، قال علي بن المديني: لا يحتج به إذا انفرد، وقال أحمد: لا بأس بحديثه. وقال أبو حاتم الرازي: صالح. وقال النسائي: ثقة، واحتج به مسلم. وقد أخرجه الطحاوي وصححه من حديث معن بن يزيد المذكور، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا نفل إلا بعد الخمس».
قوله: «غلول» بضم الغين واللام أي: خيانة.
قوله: «أبي الجويرية» اسمه خطاب بن جفاف، قال في "الخلاصة": وثقه أحمد.

.[33/50] باب ما جاء من النهي عن الغلول والتشديد فيه وتحريق متاع الغال

5321 - عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تغلوا فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة» رواه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان.
5322 - وعن أبي هريرة قال: «خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ففتح الله عز وجل علينا فلم نغنم ذهبًا ولا ورقًا، غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي، ومع رسول الله غلام له، وهبه له رجل من جذام يسمى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي قام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحل رحله فرمي بسهم فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله. قال: كلا، والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارًا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم. قال: ففزع الناس، فجاء رجل بشراك أو بشراكين فقال: يا رسول الله! أصبت هذا يوم خيبر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: شراك من نار أو شراكين من نار» متفق عليه.
5323 - وعن عمر قال: «لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا ابن الخطاب! اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. قال: فخرجت فناديت: أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون» رواه أحمد ومسلم.
5324 - وعن عبد الله بن عمرو قال: «كان على نفل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هو في النار. فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباة قد غلها» رواه أحمد والبخاري.
5325 - وعن عبد الله بن عمر قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصاب غنيمة أمر بلالًا فنادى في الناس فيجيبون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال: يا رسول الله! هذا في ما كنا أصبناه من الغنيمة. فقال: أسمعت بلالًا نادى ثلاثًا؟ قال: نعم. قال: فما منعك أن تجيء به؟ فاعتذر إليه. فقال: كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك» رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه.
5326 - وعن صالح بن محمد زايدة قال: «دخلت مع سلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالمًا عنه، فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه. قال: فوجدوا في متاعه مصحفًا فسأل سالم عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه» رواه أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي والترمذي، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد زايدة تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وقد قيل أنه تفرد به. وقال البخاري: عامة أصحابنا يحتجون بهذا الحديث في الغلول، وهو باطل ليس بشيء، وأنكر الحديث الدارقطني.
5327 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه» رواه أبو داود وزاد في رواية ذكرها تعليقًا «ومنع سهمه» وأخرجه -أيضًا- الحاكم وصححه وضعفه البيهقي.

.[33/51] باب ما جاء في المن والفداء في حق الأسارى

5328 - عن أنس «أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم فأخذهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلمًا فأعتقهم، فأنزل الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح:24] إلى آخر الآية» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي.
5329 - وعن جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيًا ثم كلمني في هؤلاء النتناء لتركتهم له» رواه أحمد والبخاري وأبو داود.
5330 - وعن أبي هريرة قال: «بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلًا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن آثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله حتى كان بعد الغد، فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما عندي إلا ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. يا محمد! والله ما كان على الأرض أبغص إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك،فقد أصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت؟ قال: لا، ولكني أسلمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا والله لا يأتيكم من يمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» متفق عليه.
5331 - وعن ابن عباس قال: «لما أسر الأسارى -يعني: يوم بدر- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: ما ترون في الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فيكون لنا قوة على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما ترى يا ابن الخطاب؟ فقال: لا والله لا أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن عليًا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسيبًا لعمر فأضرب عنقه، وتمكن فلانًا من فلان قرابته، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قاعدين يبكيان فقلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكا تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبك للذي عرض على أصحابك ممن أخذهم الفدى، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة -شجرة قريبة منه- فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال:67] إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا} [الأنفال:69] فأحل الله الغنيمة لهم» رواه أحمد ومسلم.
5332 - وعن ابن عباس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل فدى أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة» رواه أبو داود والنسائي والحاكم، وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في "التلخيص"، ورجاله ثقات إلا أبا العنبس وهو مقبول.
5333 - وعن عائشة قالت: «لما بعث أهل مكة في فدى أسرائهم بعثت زينب في فدى أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة كانت لها عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، قالت: فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لها رقة شديدة، فقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها الذي لها قالوا: نعم» رواه أحمد وأبو داود والحاكم وفي إسناده ابن إسحاق.
5334 - وعن عمران بن حصين «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل» رواه أحمد والترمذي وصححه، ولم يقل فيه «من بني عقيل» وسيأتي لأحمد ومسلم مطولًا.
5335 - وعن ابن عباس قال: «كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فدى، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فداهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، قال: فجاء يومًا غلام يبكي إلى أبيه. قال: ما شأنك؟ قال: ضربني معلمي. قال الخبيث: يطلب بذحل بدر، والله لا تأتينه أبدًا» رواه أحمد وفي إسناده علي بن عاصم وهو كثير الغلط والخطأ، وقد وثقه أحمد.
قوله: «بذحل» بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة، قال في "مختصر النهاية": الذحل الوتر وطلب المكافأة بجناية جنيت عليه.

.[33/52] باب ما جاء أن الأسير إذا أسلم لم يزل ملك المسلمين عنه

5336 - عن عمران بن حصين قال: «كانت ثقيف حلفًا لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الوثاق فقال: يا محمد، يا محمد! فأتاه فقال: ما شأنك؟ فقال: بما أخذتني وأخذت سابقة الحاج -يعني العضباء-؟ فقال: أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف. ثم انصرف عنه فناداه: يا محمد، يا محمد؟ فقال: ما شأنك؟ قال: إني مسلم. قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح. ثم انصرف عنه فناداه: يا محمد يا محمد! فأتاه فقال: ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني. قال: هذه حاجتك ففدي بعد بالرجلين» رواه أحمد ومسلم.
قوله: «لبني عقيل» بالتصغير.
قوله: «بجريرة» الجريرة الجناية، قال في "النهاية": وذلك أن ثقيفًا لما نقضوا الموادعة التي بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليهم بنو عقيل صاروا مثلهم في نقض العهد.
قوله: «هذه حاجتك» أي: حاضرة يؤتى بها إليك الآن.

.[33/53] باب الأسير يدعي أنه قد أسلم قبل الأسر وله شاهد

5337 - عن ابن مسعود قال: «لما كان يوم بدر جيء بالأسارى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ينفلتن أحد منهم إلا بفدى أو ضرب عنق. قال عبد الله بن مسعود فقلت: يا رسول الله! إلا سهيل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام. قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إلا سهيل بين بيضاء. ونزل القرآن {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال:67] إلى آخر الآيات» رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه فلعل الترمذي حسنه لشواهد له.

.[33/54] باب جواز استرقاق العرب

5338 - عن أبي هريرة قال: «لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فيهم: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: هم أشد أمتي على الدجال، قال: و جاءت صدقاتهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هذه صدقات قومنا. وكان نسيبة منهم عند عائشة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل» متفق عليه، وفي رواية «ثلاث خصال سمعتهن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في بني تميم لا أزال أحبهم بعده: كان على عائشة محرر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعتقي من هؤلاء. وجاءت صدقاتهم فقال: هذه صدقات قومي. قال: وهم أشد الناس قتالًا في الملاحم» رواه مسلم.
5339 - وعن مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أحب الحديث إلي أصدقه، اختاروا إحدى الطائفيتن: إما السبي أو المال. وقد كنت استأنيت بكم، وقد كان رسول الله انتظرهم بضع عشر ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا: إنا نختار سبينا. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله. ثم قال: أما بعد.. فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءونا تائبين، وإني رأيت أن أرد لهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يقر الله علينا فيلفعل. فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله. فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم. فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا، فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن» رواه أحمد والبخاري وأبو داود.
5340 - وعن عائشة قالت: «لما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! إني جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فجئتك أستعينك على كتابتي. قال: فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي كتابتك وأتزوجك. قالت: نعم يا رسول الله. قال: قد فعلت. قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله تزوج جويرية بنت الحارث. فقال الناس: أصهار رسول الله فأرسلوا ما بأيديهم. قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها» رواه أحمد واحتج به في رواية محمد بن الحكم قال: لا أذهب إلى قول عمر: (ليس على عربي ملك) قد سبى النبي - صلى الله عليه وسلم - العرب في غير حديث، وأبو بكر وعلي حين سبى بني ناجية وأخرج حديث عائشة الحاكم وأبو داود والبيهقي.
5341 - وأما حديث معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: «لو كان الاسترقاق جائز على العرب لكان اليوم إنما هو إسار أو فدى» رواه الشافعي في القديم بإسناد ضعيف، ورواه الطبراني من طريق أخرى ضعيفة جدًا، فلا تقوم به حجة لاتفاق الحفاظ على ضعفه.
قوله: «محرر» بمهملات اسم مفعول.
قوله: «قفل» بالقاف والفاء أي: رجع.
قوله: «أن يطيب» بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتية أي: يعطي ذلك على طيبة من نفسه.
قوله: «على حظه» أي: يرد الشيء بشرط أن يعطى عوضه.
قوله: «يفيء الله علينا» بضم أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة أي: يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك، ولم يرد الفيء الاصطلاحي.
قوله: «عرفاءكم» بضم العين المهملة هو جمع عريف بوزن عظيم، هو القائم بأمر طائفة من الناس.
قوله: «جويرية» بالجيم مصغر.
قوله: «ملاحة» بضم الميم وتشديد اللام بعدها حاء مهملة أي: مليحة، وقيل بشديدة الملاحة.

.[33/55] باب ما جاء في قتل الجاسوس إذا كان مستأمنًا أو ذميًا

5342 - عن سلمة بن الأكوع قال: «أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عين وهو في سفر فجلس عند بعض أصحابه يتحدث، ثم انسل فقال - صلى الله عليه وسلم -: اطلبوه فاقتلوه فسبقتهم إليه فقتلته فنفلني سلبه» رواه أحمد والبخاري وأبو داود.
5343 - وعن فرات بن حيان «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتله وكان ذميًا، وكان عينًا لأبي سفيان وحليفًا لرجل من الأنصار، فمر بحلقة من الأنصار فقال: إني مسلم. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! إنه يقول: إنه مسلم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن منكم رجالًا نكلهم إلى إيمانهم منهم فرات بن حيان» رواه أحمد وأبو داود وترجمه بحكم الجاسوس الذمي، وفي إسناده أبو همام الدلال محمد بن مجيب، ولا يحتج بحديثه وقد تابعه بشر بن السري المصري احتج به البخاري ومسلم.
5344 - وعن علي قال: «بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ضعينة ومعها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا إلى الروضة فإذا نحن بالضعينة فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله! لا تعجل علي إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضى بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد صدقكم. فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» متفق عليه.
قوله: «روضة خاخ» بخائين معجمتين بينهما ألف.
قوله: «ضعينة» بالضاد المعجمة بعدها عين مهملة هي المرأة.
قوله: «من عقاصها» جمع عقيصة وهي الظفيرة من شعر الرأس ويجمع على عقص.
قوله: «حاطب» بالحاء المهملة.
قوله: «بلتعة» بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح التاء المثناة من فوق بعدها عين مهملة.

.[33/56] باب ما جاء أن عبد الكافر إذا خرج إلى المسلمين فهو حر

5345 - عن ابن عباس قال: «أعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الطائف من خرج إليه من عبيد المشركين» رواه أحمد وابن أبي شيبة، وابن أبي شيبة من وجه آخر مرسلًا.
5346 - وعن الشعبي عن رجل من ثقيف قال: «سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد علينا أبا بكرة وكان مملوكًا لنا فأسلم قبلنا، فقال: لا هو طليق الله ثم طليق رسوله» عزاه في "المنتقى" إلى أبي داود وقصه أبي بكرة في تدليه من حصن الطائف مذكورة في صحيح البخاري في غزوة الطائف.
5347 - وعن علي قال: «خرج عبد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -يعني: يوم الحديبية قبل الصلح- فكتب إليه مواليهم فقالوا: والله يا محمد ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربًا من الرق. فقال ناس: صدقوا يا رسول الله، فردهم إليهم، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله من يضرب رقابكم على هذا. وأبى أن يردهم، وقال: هم عتقاء الله عز وجل» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

.[33/57] باب ما جاء أن الحربي إذا أسلم قبل القدرة عليه أحرز أمواله وما جاء في الأرض المغنومة

5348 - قد سبق في كتاب الصلاة حديث «فإذا قالوها عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلا بحقها».
5349 - وعن صخر بن علية «أن قومًا من بني سليم فروا عن أرضهم حتى إذا جاء الإسلام فأخذتها فأسلموا، فخاصموني فيها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فردها عليهم، وقال: إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله» رواه أحمد وأبو داود بمعناه، قال في "بلوغ المرام": رجاله موثقون. ولفظ أبي داود: «يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم».
5350 - وعن أبي هريرة مرفوعًا «من أسلم على شيء فهو له» رواه البيهقي وفي إسناده ياسين بن معاذ الزيات، وهو ضعيف، أخرجه البخاري وغيره وإنما يروي مرسلًا.
5351 - وقد أخرجه سعيد بن منصور عن عروة بن الزبير، قال في "خلاصة البدر": وإسناده صحيح لكنه مرسل يعني حديث عروة، وقال أبو حاتم الرازي: لا أصل له.
5352 - وعن أبي سعيد الأعسم قال: «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العبد إذا جاء فأسلم ثم جاء مولاه فأسلم أنه حر، وإذا جاء المولى ثم جاء العبد بعدما أسلم مولاه فهو أحق به» رواه أحمد مرسلًا في رواية أبي طالب، وقال: اذهب إليه.
5353 - وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما قرية أتيتموها فأقمتم فيها فسهمكم فيها وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ولرسوله ثم هي لكم» رواه أحمد ومسلم.
5354 - وعن أسلم مولى عمر قال: «قال عمر والذي نفسي بيده لولا أن أترك الناس ببابًا ليس لهم من شيء ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، ولكن اتركها خزانة لهم يقتسمونها» رواه البخاري، وفي لفظ قال: «لئن عشت إلى هذا العام المقبل لا تفتح للناس قرية إلا قسمتها بينهم كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر» رواه أحمد.
5355 - وعن بشير بن يسار عن رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أدركهم يذكرون «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهمًا جمع كل سهم مائة سهم فجعل نصف ذلك نحلة للمسلمين، فكان في ذلك النصف سهام المسلمين، وسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معها و جعل النصف الآخر لما ينزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس» رواه أحمد وأبو داود من طرق رجال بعضها رجال الصحيح.
5356 - وعنه عن سهل بن أبي حثمة قال: «قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر نصفين: نصفًا لنوائبه وحوائجه، ونصفًا بين المسلمين، قسمها على ثمانية عشر سهمًا» رواه أبو داود وفي إسناده أسد بن موسى، وثقه النسائي وغيره.
5357 - وعن سعيد بن المسيب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افتتح بعض خيبر عنوة» رواه أبو داود مرسلًا.
5358 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه» رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
قوله: «عنوة» بفتح العين المهملة وسكون النون القهر.
قوله: «وقفيزها» القفيز مكيال معروف ثمانية مكاكيك.
قوله: «مديها»المدي مائة مد واثنان وتسعون مدًا، وهو صاع أهل العراق.
قوله: «أردبها» بالراء والدال المهملتين بعدهما موحدة مكيال أربعة وعشرون صاعًا.
قوله: «وعدتم من حيث بدأتم» أي: رجعتم إلى الكفر بعد الإسلام، وهو من أعلام النبوة لإخباره بما سيكون.